خلت من قبله الرسل وتدليس الميرزا القادياني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد،
قال الله تبارك وتعالى:
"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِين" آل عمران 144.
يدعي الغلام القادياني أن هذه الآية تدل علي
موت جميع الأنبياء الذين كانوا قبل نبينا صلي الله عليه وسلم بما فيهم المسيح عليه
السلام، وادعي الغلام الكذاب أن الصحابة أجمعوا علي موت جميع الأنبياء لما تلا
عليهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية بعد موت النبي صلي الله عليه وسلم.
والرد علي هذا التدليس والكذب كالآتي:
أولاً: خلت تعني مضت:
يقول ابن منظور في لسان العرب:
"وخلا الشيء خلوا: مضى. وقوله تعالى: وإن من أمة إلا خلا فيها نذير؛ أي مضى وأرسل. والقرون الخالية: هم المواضي"
ويقول الزمخشري في أساس البلاغة:
"ومن المجاز: خلّى فلان مكانه: مات، ولا أخلى الله مكانك: دعاء بالبقاء"
ملحوظة: وصف الغلام القادياني لسان العرب بأنه ضخيم (نور الحق) وموثوق به (ينبوع المعرفة) ولم يؤلف مثله (نور الحق) ووصف الزمخشري بأنه إمام وعلامة ومتبحر ومتمكن (البراهين الخامس).
ثانياً: ليس هناك إجماع من الصحابة علي موت جميع الأنبياء كما أراد أن يدلس الغلام الكذاب بدلالة أمرين:
الأول: أن الصحابة أجمعوا علي
ما كانوا مختلفين فيه قبل حدوث الإجماع، وقد كان الصحابة مختلفين في موت النبي صلي
الله عليه وسلم نفسه "هل مات أم لا؟"، ثم حصل الإجماع منهم علي ذلك لا
علي غيره.
الثاني: أنه ثبت عن بعض الصحابة
قولهم بحياة المسيح عليه السلام، كأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما:
1 - والذي نفسي بيدِه، ليُوشِكن أن ينزلَ فيكم ابنُ مريمَ حكمًا عدلًا، فيكسرَ الصليبَ، ويقتلَ الخنزيرَ، ويضعَ الجزيةَ، ويَفيضَ المالُ حتى لا يقبلَه أحدٌ، حتى تكونَ السجدةُ الواحدةُ خيرًا من الدنيا وما فيها. ثم يقولُ أبو هريرةَ: واقرؤوا إن شئتم: (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
2- يُوشِكُ أن ينزلَ ابنُ مريمَ حكَمًا مُقسِطًا فيقتُلَ الدَّجَّالَ ويقتُلَ الخنزيرَ ويكسِرَ الصَّليبَ ويفيضُ المالُ وتكونُ السَّجدةُ واحدةٌ للهِ ربِّ العالمين قال واقرءوا إن شئتم وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قال موتُ عيسَى عليه السَّلامُ يُعيدُها أبو هريرةَ ثلاثَ مرَّاتٍ. أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً.
ملحوظة: يقول الغلام القادياني عن ابن عساكر: "وأخرج ابن عساكر في التاريخ وهو المقبول الثقة" (منن الرحمن)
3- عنِ ابنِ عباسٍ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. قالَ قبلَ موتِ عيسى بنِ مريم. أخرجه الطبري ونقله عنه ابن كثير كلاهما في التفسير وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر في عمدة التفسير.
ثالثاً: لو فرضنا جدلاً أن خلت في الآية تعني ماتت فإن الآية المذكورة ليست نصاً في العموم بحيث أنها تفيد موت جميع الأنبياء بغير استثناء:
فقد قال الله تعالي في آية أخرى:
"واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله"الأحقاف21.
قال القرطبي في تفسيره:
"وَقَدْ خَلَتِ النُّذُر" أي مضت الرسل."مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ" أي من قبل هود. "وَمِنْ خَلْفِهِ" أي ومن بعده، قاله الفراء. وفي قراءة ابن مسعود "من بين يديه ومن بعده".
فهل كان
كل الأنبياء - من قبل هود عليه السلام ومن بعده - ميتين وقت نزول هذه الآية؟!
هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
Comments
Post a Comment